الخطاب الافتتاحي للمقاتل عبد العزيز خالد عثمان رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني
التحالف الوطني السوداني
المؤتمر العام الثالث
30 أبريل -2 مايو 2009 م
الخطاب الافتتاحي للمقاتل عبد العزيز خالد عثمان رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني
• السيدات والسادة الحضور من الأحزاب - التنظيمات - المنظمات - الشخصيات الوطنية - أصدقاء التحالف الأوفياء - أعضاء البعثات الدبلوماسية – والإعلام..
• السيدات والسادة أعضاء التحالف الوطني السوداني..
تحية الحرية والتجديد لكم جميعاً
أبدأ بتحيَّة أرواح شهداء الحركة الوطنية مُنذُ انتفاضة اللواء الأبيض 1924 وإلى اليوم، الثاني من مايو 2009م، مُروراً بشُهداء الاستقلال، الحركة الطلابيَّة، شُهداء رمضان، وشُهداء كجبار وبورتسودان.. إلى آخر القائمة الباهرة.. وأشيرُ إلى ”شهداءُ الانتفاضة الشعبية المسلحة“، أبطالُ السودان الجديد، وطلائعُ الحُريَّة والتجديد، الذين مضوا من أجل العدالة والمساواة، وحمَّلونا أماناتٍ غالية، نجتَهِدُ جميعاً لنكون على قدرِها.. فقد قدَّم التحالف أكثر من أربعمائة شهيدٍ، فداءً لشعبِ السودان وقواه الجديدة، وجميعهم أفضلُ مِنَّا.. عبدالعزيز النور - سليمان ميلاد – عوض غبُّوش – العُمدة موسى عبدالرحمن- نصر الدين الرشيد – الحاجة زهرة - علي يس - علي عبدالسلام وعابدين محيسي.
لاشكَّ أن انعقاد مُؤتمرِنا العامُ الثالث هو منعطفٌ أساسِي، وسانِحَةٌ غالية في مسيرة حركتنا التحالفيَّة الفتيَّة، التي يبلُغُ عُمرُها في أغسطس 2009م أربعة عشر عاماً «قمر دورين» لأننا نؤرِّخ لبداية التحالف الوطني السوداني بمؤتمرِنا الأوَّل في الفترة من 14 إلي 16 أغسطس 1995م، والذي وضع بِنيَةُ التحالُف التنظيميَّة والسياسيَّة، وأقرَّ انتقال التحالُف الوطني السوداني من تنظيمٍ إلى حركة سياسيَّة عسكريَّة، وأجازَ الرُؤى الاستراتيجية، وميثاقُ التحالُف الوطني السوداني، وبرنامَجُ العمل، وانتخب قيادَتِه، ووضعَ مبدأ عدم أبدية الرئاسة، وتبادُل السلطة ديمقراطياً في الدولة وداخل التحالُف الوطني السوداني، وأقرَّت قوانينه ولوائحه هذا المبدأ، وبوضوحٍ تامٍ ذكر: «تأسيس نظام حُكمٍ ديمقراطي يضمنُ حقوقَ المُواطنة لكافَّة أبناء وبنات الوطن، ويعملُ على تحقيقِ المُساواة بينَ المُواطنين ويُقيمُ العدلَ بينهم ويدعمُ الاستقرارَ والسلام، وينتشلُ الوطنَ من هيمنة التطرُّفِ والهوسِ الدينيِ والسياسي».
في يوليو 2001م، عَقَدَ التحالُف الوطني السوداني المُؤتمرُ العامُ الثاني من 1 إلى 5 يوليو بعد ستة سنوات من مؤتمره الأوَّل، وركَّز المُؤتمرُ على التعبِئَة الجماهيرية، والانتقال إلى رحابِ ”الحزبُ الجماهيري“ بعد أن حدَّد مفهوماً له.. ورأى أهميَّة لا مركزيَّة العمل، على أساسِ وُحدَةِ الطرحُ الفِكري والسِياسي، انطِلاقاً من الميثاق، وبرامج التحالُف الوطني السوداني، وتمَّ تغييرُ اسم ”المكتبُ السياسيُ العسكري“ إلى ”المكتبُ التنفيذي“.
وإن سَبَقَ المُؤتمرُ العام الأوَّل والمُؤتمرُ العامُ الثاني محطَّاتٍ مهمَّة، كمرحلة النشأة والتكوين السرية الأولى، ثم بداية الظُهور العلني في ديسمبر 1994م، فيما عُرِفَ بـ”مُؤتمَر القُوى الرئيسيَّة“ الذي شارك فيه حزب الأمة – الحزب الاتحادي – الحركة الشعبية لتحرير السودان – والتحالُف الوطني السوداني/قوات التحالُف السودانية، والذي وضع أساساً لمؤتمر التجمُّع الوطنيِ الديمقراطي في يونيو 1995م، الذي عُرِفَ بـ”مؤتمر القضايا المصيرية“.
الدلالات وديمقراطية القطاطي:
إن دلالاتُ قيامِ المُؤتمرُ العامُ الثالث عديدة، حيث ينعقدُ في قلب العاصمة الخُرطوم، والتي يُفتَرضُ أن تكون ”قوميَّةً“، وفي ظلِّ سُلطةٍ شموليةٍ قابضة، وقوانين مُقيِّدة، ممَّا يُشير إلى مساحةٍ صغيرة من الحُريَّة، تم انتزاعَها، وإن مِشوارُ الانتقالُ الحَرِج ما زالَ طويلاً.
ومِن أهمِّ المحطَّات التي أشارَت إلى مُفارَقَتِنا للعملُ الثوري المُمركَز، إصرارُنا على مُمارسةِ أكبرُ قدرٍ مُمكن من الديمقراطيَّة الداخليَّة، وفي كلِّ ظروف الصُعُودِ والهُبُوطِ التي تتعرَّضُ لها الحركاتُ السياسيَّةُ العسكريَّة..
فعَقَدْنَا اجتماعُنا التنظيميُ المُوسَّع الأوَّل في يوليو 1997م، واجتماعُ المجلس المركزي في فبراير 2002م، وهو أعلى سُلطةٍ بعدَ المُؤتمرُ العام، تُوِّجَ بعد ذلك بالاجتماعِ المُشتركِ بينَ المكتبُ التنفيذي ومكتبُ المجلِس المركزي في الفترة من 23 إلى 29 أغسطس 2003م حسْبَما هو مقنَّن في لوائِحِنا الحاكِمة، في حينِ استمرَّت اجتماعاتُ المكتبُ التنفيذيُ مُنتظِمةً حَسَبَ ما وجَّهَت بِهِ لوائِحُ التحالُف الوطني السوداني..
كثيرونَ كانوا ينتقِدون مُمارَسة هذا القَدْرِ من الديمقراطيَّة داخل حركةٍ تَحمِلُ البُندُقيَّة، والمُنتقِدُون ربَّما استندوا على تَجارِب الحركات السياسيَّة العسكريَّة في بلادِ العالم، ومِنها قارَّتنا أفريقيا، وراهَنوا على موتِ التحالُف الوطني السوداني بهذه المُمارسَة، ولكن كان لنا رأيٌ جديدٌ ومختلف عن التجارب السابقة، وهو أن العملُ المُمَركز يُنتِجُ بالضرورةِ حزباً شمولياً، ويرسِّخُ العقليَّة الأمنيَّة عند الأفراد، فاختطَّينا تفعيلُ مُمارستنا الديمقراطيَّة وتوسيعها، وفَتحِها على أكبرُ قدرٍ مُمكن مِن القواعِد والقيادات، فكانت ”ديمقراطية القطاطي والرواكيب“ في الميادين التي تَواجَدنا فيها، ومَارَسنا أكبرَ قدرٍ من النقدِ والنقدُ الذاتي الصارِم. وبقدرِ ما ساهَمَت هذه التجربة في انقسام شهير واجهه التحالف الوطني السوداني في العام 2004، بقدرِ ما خَلَقَت هذه التجرِبةُ كادراً ثورياً سياسياً، أدركَ أن البندقيَّة وسيلةٌ محدودةُ الزمن.. ولذلك حينما وصل المقاتلون أفراداً وجماعات إلى داخل السودان، لم تكُن هُناك صعوبةٌ في انتقالِ الأفراد إلى رحاب العملُ السياسيُ السِلمِي، رغم أن عودةُ المُقاتلين لم تكُن منظَّمة.. والتحالُف لم تكُن عودَتُه بسبب اتفاقٍ ثنائيٍ مع حكومة الإنقاذ، لذلك فقد حُرِمَ مقاتلونا من الاستيعاب في مؤسَّسات الدولة، أو الدمج المجتمعي.. وليس السبب حكومةُ الإنقاذِ فقط، بل حتى حُلفائِنا في التجمُّع، حينما فاوضوا، فاوضوا من أجل مُقاتليهم، كما فَعَلَ لِواءُ السودان الجديد - الحركة الشعبية، وقواتُ الفتح، وقواتُ الشرق .. ونسُوا رِفاقِهِم في النضال المُشترَك.
وبنفس ثقافة إيجاد الحُلول من ”القطاطي والرواكيب“، ناقشَ الجميع المُعضِلة، فكان الحلُ في شعار ”الرِزقُ قبل الحِزب“. ويبقى تكريمُ مُقاتلي الحرية والتجديد مسئولية الجميع، وقضيَّة مُستمِرَّة.
ولذلك، يمكنُ القول بأن أهمَّ دلالاتُ قيام المُؤتمرُ العامُ الثالث هي حرصُنا على أن تتأسَّس المُمارسة الداخلية للتنظيم على الديمقراطية، وأن تُصبِح الحكمةُ الجماعيةُ لعُضويتنا هي موجِّهُنا، وراسم رؤانا المستقبلية.. لقد قَطَعَ التحالُف الوطني السوداني في عُمرِه القصير شوطاً مديداً بحسابِ التجارِب والتراكُمات.
إن ولادة حركة التحالُف الوطني السوداني جاءت تلبيةً لتطلُّعاتٍ مشروعةٍ لقِطاعاتٍ واسعةٍ من جماهير شعبنا، وضرورةً أوجَبَتها الأحلامُ الموؤدَة، والآمالُ المُجهَضَةِ لأُمَّتنا عَبرَ عُقودٍ طِوال، ويَبقى التحالُف صوتاً معبِّراً عن القُوى الصامتة، والقُوى الجديدة والحديثة، من منظمات مجتمعٍ مدنيٍ ومراكز بحثيَّة، وعن الفقراء والضعفاء وأهلُ الريف، والمرأة التي ساهمت معنا في العمل السياسي والمَيداني والاجتماعي، وكان التحالُف أوَّل حزبٍ يُخصِّصُ نسبة 30% للمرأة في مؤسساته، وهذا ليس مَدعاةً للفخر بقدرِ ما هو مؤشرٌ نتحسَّس به خُطانا، ونُقَيِّمُ به تجاربنا.. لذا تَصَالَحَ التحالُف مع نفسه، حين تبنَّى قضية المفصولين تعسُفياً من المدنيِّين والعسكريِّين، ونضالهم اليومي لاسترداد حُقوقِهم، وإنصافُ أسَرِهِم مادياً ومعنوياً.. ويَتَصَالَحُ مع نفسه حين يقفُ يَعمَلُ بمُثابَرَةٍ مع اتحادِ النقابات الشرعي، ونُحَيِّيهم اليوم في عيد ميلادهم.. ويتصالح أهل التحالف الوطني السوداني كمقاتلين من أجل الحريةِ مع أهلِ الرأي وقبيلةِ الصحفيين ونُقَدّر دورهم.
وعندما ضَربَ الإسلامُ السياسيُ البلاد، انحازَ التحالُف الوطني السوداني إلى الإسلامُ الشعبي الصُوفي، وأصدَرَ رُؤيته في علاقة الدين بالدولة، وأكَّد على: «حق كل إنسان في حرية الفكر والوجدان والدين والمُعتقد ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق أي دين أو معتقد اختاره، أو يفهم دينه أو معتقده كما اختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعلم بمفرده أو مع جماعة أمام الملأ أو على حده، كما يشمل هذا الحق حرية الآباء أو الأوصياء إن وُجِدُوا في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم...»
كانت شعاراتنا الأساسية – وما زالت – حيَّة تُعبِّرُ في رأينا عن المصالح الحقيقيَّة لجماهيرنا.. فعِندما رَفعنا شعار: ”بِناءُ الدولة المدنيَّة الديمقراطيَّة المُوحَّدة“ في مؤتمرنا العام الأول في العام 1995 –وهو هدفُنا الإستراتيجي– كنا نُدرِكُ بوضوحٍ أن المُشكِل السوداني يكمُنُ في التنوُّع، وأن النُظُم الشموليَّة والأحاديَّة تُناقِضُ هذه الحقيقة، وتجعلُ الصراعَ مستمراً، والاستقرارَ معدوماً، وتقودُ إلى التفتُّت.. والنُظُمُ الشموليَّة مهما تعدَّدت أنواعها وأشكالها ومُسمَّياتها، سواءٌ كانت عسكرية – بوليسية – أمنية – أو عقائدية، فإنَّ نتائجها مشتركة.. ولقد أثبَتَتِ الأيَّام والوقائِع أن رُؤانا كانت واضحةً وصحيحة، وكانت الأقربُ إلى فهمِ طبيعةُ الأزمةِ السودانية.
وكان شعارُ المُؤتمرُ العامُ الثاني في يوليو من العام 2001 ”نحو بناء حزبٌ جماهيري“ يُشيرُ إلى أن قضيَّتُنا، مهما تعدَّدت الوسائل والأدوات، هي قضيَّةٌ سياسيَّةٌ ثقافيَّةٌ اقتصاديَّةٌ اجتماعيَّة، وأن أدواتُ النضالِ المُختلفة تَفقدُ قيمتُها إذا لم تكُن الجماهير مادَّتُها الأساسيَّة، ووقودِها الدافع، فهي المُستهدَفَةُ بغاياتِ النضالِ النهائيَّة، وهي التي ينبغي أن تَصيغَ هذه الأدوات والغايات.
وطَرَحْنا في أغسطس 1995 شعارُ ”الانتفاضة الشعبية المسلحة“ تطويراً لتجربة الجماهير في الانتفاضات السِلميَّة.. وقَصَدنا بها مُجمَلُ المُقاومةِ المُسلحة والجماهيريَّة لإجبارِ النظامُ الشُمولي على الخُضوع لإرادة الجماهير.. ولم يَعِشْ التحالُفيُّون في وهَمِ إسقاطُ النظام لوَحدِهِم ”بالمارش العسكري“ من كسلا إلى الخرطوم، وإنَّما على الأقلِّ خلقُ ظُروفٍ مُواتيةٍ للتغيير.. وعندما فجَّرنا الطلقة الأولى في 21 أبريل 1996م بعملية ”الشهيدة التاية أبوعاقلة“ كنَّا نعلمُ أننا نفجِّر ثقافةً جديدة، لم تعهدها المُعارَضَة السُودانيَّة خارِجِ جنوبِ الوَطن، ولعلَّ تلك العقليَّة القديمة هي ما شَقَّ عليها استيعابُ تساوي أدواتُ النضال المُختلفة في خطٍ واحد، بما فيها العسكري والسياسي.. وبالتالي، استيعابُ فِكرَة الحركة السياسيَّة العسكريَّة، ومظاهرُ هذا كلُه نجِدْها أحياناً في الجدلِ حتى حولَ اسمُ التحالُف الوطني السوداني..
لم نَعنِي ”بالانتفاضة الشعبية المسلَّحة“ العُنفُ الأعمى، بل المُقاومَة العنيفة التي ولَّدها فهمُنا العميق والدقيق لطبيعة نظام الإنقاذ في ذلك الوقت، الذي سطا على السلطة في 30 يونيو 1989م، وأودَى بنظامٍ ديمقراطيٍ مُنتَخَب، فكان ذلك انتصاراً لقُوى الظلام والتخلُّف، وهزيمةً لقُوى التجديد والتنوير.. وتوالَت الشِعاراتُ المُعبِّرة عن الأهداف: ”صوتُ الحريَّة والتجديد“ - ”ثورةُ الرِيف للمدينة“ - ”التحالُف خيارٌ ديمقراطيٌ جديد“.
واليوم، في الثاني من مايو 2009 م في فاتحة انعقاد مُؤتمَرِنا العامُ الثالث، حافظنا على شعارنا الإستراتيجي: ”مِن أجلِ دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيَّةٍ مُوَحَّدة“، فهُو هدفٌ لم يتحقَّق، وأضّفنا إليه: ”من أجل شعب كريم“.. هذا الشعبُ العظيم يَستَحِقُّ حياةً أفضل، وكامِل حرِّيته، واحتراماً لتنوُّعه.. وخياراته.. وقد لخَّص شاعِرُنا إدريس جمَّاع ذلك في بيت شعر: جِئتُ بالحاكم من أجلي لا حرباً عليَّ.
دارفور.. الجيل الثالث :
يذهبُ معظمُ المُحلِّلين إلى حَصرِ الصراع في إقليم دارفور في عناصره التقليدية، من إشكالياتٍ ناتجةٍ بين الرُعاة المتحرِّكون والزرَّاع المُستقِرُّون، وحلِّها عبرَ التقاليد المحليَّة والأهليَّة، أو إلى آثارُ الجَفاف والتصحُّر بفعل الطبيعة، الذي ضربَ إقليمٍ دارفور في فتراتٍ مُختلفة، أو إلى التنافُس القَبَلي وتَعدُّده وانتمائه العربي/الأفريقي، وإن كانت هذه العناصر موجودة ولا يُؤرَّخُ لها منذ استيلاءِ الجبهة الإسلاميَّة القوميَّة على السُلطةِ في 30 يونيو 1989، بل مُنذُ عُهودٍ سابقةٍ، إلا أنَّنا نتجاهلُ دورُ الإنقاذ في تعميقِ الأزمة الحاليَّة، وتحويلها إلى مأساةٍ إنسانية.. حَصْرُ الصراعِ في هذه العناصرِ أدَّى إلى منهجٌ تبريريٌ للأخطاء، والالتفافِ حَولَ حقائقَ وجُذورِ الأزمة وتغييبها، بل والهُروبِ منها.. وبالتالي تشخيصٌ غيرُ عميقٍ وغيرُ سليم.. مما أدَّى إلى طرح حُلولٍ لظاهر الأسباب، اتَّسمت بالمُعالجات القاصِرةِ والخاطِئة، مِمَّا أدَّى إلى تفاقُمِها وتعقيدها على أيدي القوى السياسيَّة والعسكريَّة، التي شكَّلت الأنظمة التي تعاقبّت على الحُكم طيلة العقود الماضية. إن تحديد منهجُ التحليل يبدو مُهِمَّاً، خاصةً تلك المبادئ المُرتبطة بالعلاقة الجَدَليَّة بين الأسباب الحقيقيَّة، وآثارها ونتائجها الظاهريَّة.
يبقى القول أنه من الخطأ تناول أزمة دارفور بمعزلٍ عن الأزمة الوطنيَّة الشاملة، بل إن ما يحدُثُ اليوم هو انتفاضةٌ دارفوريةٌ اجتماعيةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ عميقةُ الأبعاد والجذور.. ورغم ما يبدو في انطلاقها من خصوصيَّة وحيِّزٌ جغرافيٌ مُعيَّن، إلاَّ أنها تُعَبِّرُ عن نفسِ المظالم والحقوق المُغتصبة من أرياف السودان المختلفة، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.. ورفضاً للمركزيَّة والعقليَّة الأحاديَّة، تطلعاً إلى حلٍ شاملٍ وعادلٍ ودائم، مِمَّا يعني صياغة وطنية جديدة.
ومُهِمٌ إدراك أن الذي يقود المعارضة الدارفورية هو الجيل الثالث في السودان، وإن كان يرى في المؤتمر الوطني عدُّوه الأساسي، إلا أنه يعبِّر عن انتفاضةٍ ضد ”السودان القديم“ بأكمله، وإدراكُ هذه الحقيقة كان يتطلب منذ البدء عدم إتِّباع منهجُ وعقليَّة ”السودان القديم“ لمواجهة الأزمة، والتي أثبتت التجارِبَ فشلها، وفي تِكرارِها إعادة إنتاجٍ لعمليَّة الفشل وتعميقها، وهذا ما نَشهَدُه اليوم.
الحلول :
ما يحدُثُ في الجنوب – الشمال – الغرب – الشرق – والوسط بدرجاتٍ مُتفاوِتة هو في حقيقته بدايةٌ لصياغةٍ وطنيةٍ جديدة، فالمشهدُ العام يدفعُ الكثيرين إلى التشاؤم والتخوُّف من التشرذم، ولكن التحالف الوطني السوداني يذهبُ مع المُتفائِلين بأن السودان في حالة تخلُّقٍ وتشكُّلٍ جديد، ربما تُفضِي إلى ”دولة السودان المدنية الديمقراطية الموحَّدة“.. والتجربة أكَّدت نوعيَّة وعُمق تُربَة التنوُّع والتعدُّد الإثني - الديني – الثقافي، وأنَّها تُربةٌ حجريَّة ضد الفكر الأحادي الأيديولوجي، والإسلام السياسي، والعنف والقهر، ومدى خصوبتها لدولة مؤسَّساتٍ وعدالةٍ وتوازنٍ اجتماعي، ونظامٌ ديمقراطي مُتكامل بجميع حقوقه وواجباته ومؤسَّساته الداعمة له، والمُؤمنة على استدامته .. وهذه أهم مرتكزات الحل.
إن المدخل السليم لحل أزمة دارفور هو الاعترافُ بجذورها، ومخاطبتها، وما يحدُثُ فيها هو إفرازٌ حقيقيٌ للمُشكل السُوداني، وأن الحل يكمُنُ في الاتجاه نحو ”الحلُ الشامل“.. ليس في الخارج، وإنما آليته داخل السودان، ويبدأ بشعب دارفور، وحكمة أهله، وثقافة الحلول عند الأزمات، وتراكم التجارب.. وأن يتخلَّى المُؤتمرُ الوطني عن عقليَّة ”الصفقات الثنائية“، ومرضُ التخوُّف من ضياعُ السُلطة، تغييراً أو تفكيكاً أو زوالاً، واستبدالها بالخوف من ”ضياعُ الوَطَن“.
ومهمٌ القول بأن الحلُّ النهائيُ لابدَّ أن يقودُ إلى بناءُ ”دولة السودان الجديد“، ”الدولة المدنية الديمقراطية المُوَحَّدة“، وليست الدولة الدينية التي أفرزتها اتفاقية نيفاشا في شمال السودان، ويتبنَّاها المُؤتمر الوطني..
الطريق إلى لاهاي.. المحكمة الجنائية :
توالت أحداثٌ مُهِمَّة، وترَسَّخَت مفاهيمٌ ومَسْلَكِيَّاتٌ حاسِمةٌ على مستوى العالم منذ نهاية الألفية المنصرمة.. فقد تغيَّرت مفاهيمٌ ظلَّت راسخةٌ ومُقدَّسة مُنذُ نهاية الحِقبةُ الاستعماريَّة، وانفتحَ العالمُ على مِصراعيه على حركة الأموال والجيوش، وتوجيه الضغوط والتدخُّلات، ولم تعُد مفاهيم السيادة الوطنية والدولة القومية تحملُ نفس مضامينها الماضية.. انعكس هذا التطور على البلدان النامية، وكَدحِها باتجاه استقلالها الكامل، وبناء دُوَلِها الوطنيَّة الديمقراطيَّة، ووُجِهَت هذه الأمواج ”العولمية“ للتغيير بأشكالٍ مُختلفةٍ من الرفض، بعضُها مُتعَصِّبٌ يائِسٌ مُتطَرِّف، وبعضها عقلانيٌ يَعِي بإمكاناته للمُقاوَمَة، وحُدُودِه للتصالح معها. كما أن الرفض المُتطرِّف اليائس، وبما خلقه من خسائر للإنسانية، وأضرارٌ بحقوق الإنسان، أصبح أيضاً مبرِّراً للتدخُّل في شئون الدُول، والضغط عليها، كما صاحَبَ كلُ ذلك تَجَذُّر لمفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية، واحترامُ التنوُّع، وتعاظُمٍ لدور مُؤسَّسات المُجتمع المدني، كقوىً مُؤثِّرةٍ في أشكال الحُكم وصُنعِ القرار. وفي السودان، ظلَّت مفاهيم الديمقراطيَّة وحُقوق الإنسان واحترام التنوُّعِ عصيَّة على حُكم الإنقاذ.. بالرغم من ذلك، ظلَّت مُؤسَّسات المُجتمع المدني فيه تُناضِلُ من أجل وجودها، دَعكَ من تأثيرها على المُجتمع والحكومة.. والانتفاضات التي دارّت وتدورُ في وطننا، تعكِسُ من جهةٍ نِضالاتُ شَعبِنا ضد الأنظمة الشمولية والظلامية، ومن أخرى تُعطِي مِثالاً لحجم الضُغوط الخارجية الحميدة والخبيثة، التي يمكن أن تُمارّسُ وتُفَعَّلُ على أطراف الصراع الداخلي، بمُبَرِّراتِ السلام والاستقرار، وإيقافُ المأساة، ولكن نلحظ اتفاقُ الضاغطُ الخارجي والداخلي على تجاهُل أطرافٍ أخرى رئيسيَّة في المُشكِل السوداني، وتغييبُ الإرادة الشعبيَّة عن الحلول المطروحة.. أدارَتِ الإنقاذ الأزماتِ مُنفرِدَةً، دون اعتبارٍ لواقع مفاهيم العولمة، وإمكانات المُقاوَمَة، وحُدودِ التصالُح معها، فدخلت في مُصادمَة مع شعبها، والمجتمع الدولي، وإن حاوَلَت مُصالَحَةُ المُجتمع الدولي.. ولكنَّ القاعدةِ هي: ”إن تُصالِحَ شَعْبُكَ تُصالِح المُجتمَعُ الدَولي .. تُعادِي شَعْبُك تُعادِي المُجتمَع الدولي“.. وفي النهاية خَسِرَت الاثنين، واتَّخَذَت مِنهَجاً وسلوكاً هو في حقيقته إعلان جهادٍ ضدَّ المُجتمَعُ الدولي .. وحينَ وقَفَ التحالف الوطني السوداني مع المبدأ الرافِضُ لدخول قواتٍ أجنبيَّةٍ للسودان، وافَقَت حُكومةُ الإنقاذ.. وحينَ وقَفَ مع ضرورة الدَّعمُ الإنسانيُ للمُحتاجين والنازحين، طَرَدَت المُنظَّمات.. وقادَت إفرازاتُ دارفور إلى المحكمة الجنائية بلاهاي، ودخل الجميعُ في مُناظرةِ ”تحقيقُ السلامِ أولاً، أم العدل“، وهُما وجهانِ لعملةٍ واحدة.. موجودةٌ بالسودان.. تبدأُ بمصالحة شعبه.
وإفرازات الخلاف في الحدود بين الشمال والجنوب في منطقة أبيي، قادت هي الأخرى إلى محكمةُ العدل الدولية، وهي أيضاً بلاهاي.. وأبيي منطقةٌ مُهمَّة بحكم موقعها الإستراتيجي، والتنوع السكاني، ورغم هذا فإن 20% فقط من أطفالها يذهبون إلى المدرسة.. وخلال الحرب بين النظام الإنقاذي والحركة الشعبية، تمكَّنت قبيلة المسيرية المُسلمة وقبيلة دينكا إنقوق الأفريقية ذات الأغلبية المسيحية من الوُصول إلى اتفاقُ سلامٍ بينها، ثم كوَّنا أسواقاً ازدَهَرّت عبر الأيام.. واتفاقُ السلامِ هذا تمَّ بعيداً عن مركز المؤتمر الوطني في الخرطوم ورومبيك مركز الحركة الشعبية، ليُعطينا درساً مُهِمَّاً، وهو أن السلام والمصالح المشتركة أقوى من رابطة الدين والعرق، خاصة حين يُدرِك المُتحارِبُون أن موت أبنائِهِم ضد مصالحهم .. ولذلك كان موقف التحالف الوطني السوداني هو أن يُترَكَ الحلُ أولاً لقيادات القبيلتين، ليؤسَّس على مصالح شعب المنطقة: وقفُ الموت – السلام - الوِفاق الرضائي.. ولكن طرفي الحكم اختارا الطريق إلى لاهاي، وتبقى المُعضِلة في ما بعد الحُكمُ الذي ستصدِرُه محكمة العدل الدوليَّة، فلربما يقود هذا الحكم إلى حربٍ ضروس، إذا رفض أحد الأطراف قرار المحكمة، واعتبره مُجحِفاً في حقه.
الخطر القادم :
قراءة الواقع تشير إلى أن بلادنا مُقبِلةٌ على مرحلة جديدة، تتهَدَّدُها الكثير من المخاطر، ولكن أتناولُ هنا ثلاثة قضايا هامة: أولها، وحدة السودان، فاتفاقية نيفاشا 2005 شجَّعت على الوحدة الجاذبة شعاراً، ولكنها في نفس الوقت أسَّست للانفصال حين فَشِل المُتفاوضان في الوصول إلى دولة التنوُّع والمُواطنة، ذات الهُويَّة السودانية، وذهبت في اتجاه ”دولتين في دولة واحدة“، وليس ”نظامين في دولة واحدة“.. وتجربة التطبيق في الأعوام 2005 – 2009 تُنذِرُ بخطرٍ التكريس الانفصالي.
ويبقى من الضروريُّ أن ينزعِجَ الوحدويُّون، ومن بينهم التحالف الوطني السوداني، ويَقتَرِح ”الكونفدرالية“ كخيارٍ ثالث عند التصويت على حق تقرير المصير. وفي استراتيجية التحالف الوطني السوداني كونفدرالية القرن الأفريقي أو إفريقيا الجديدة والقرن الافريقي الجديد، وهُنا أُشِيد وأشكر كل الشعوب والدول التي وقفت مع شعب السودان أيام محنته خلال شعب الانقاذ الأول افريقياً وعربياً ودولياً.
وثاني المخاطر سياسات الاقتصاد، أو الإفقار التي طبَّقتها الإنقاذ خلال عشرين عاماً.. أنتجت شعباً فقيراً مُعدَماً، وقلَّةٌ غنيَّة.. وفَرَضَت هذه السياسات في ظِلِّ الشمولية القابضة، وغيابُ الشفافيَّة والمُراقَبَة والمُحَاسَبَة، فساداً يُقِرُّه المُجتمَع ويراه ويَشتَمُّ رائحته، بل ويَعيشُه مُقابِل نُكرانٍ رسمي.. إنه البُركانُ القادِم.. وندعو إلى مؤتمر اقتصاديٍ، ترفَعُ الحكومة يدها عن إدارته وتوجيهه، وتلتزِمَ بقراراته.
فالظرف الاقتصادي بالغ التعقيد والذي يعيشه الشعب السوداني معروف ومعاش جراء السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظام الانقاذي والتي افضت لافقار الشعب السوداني وبات أكثر من 90% من الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر وفقاً لاحصائية الامم المتحدة، وباتت الحياة المعيشية للمواطنين جحيم لا يطاق بعد اخضاع اسعار السلع الضرورية والحياتية لتسعير السوق والمضاربات التي اغنت الحفنة وأفقرت ما تبقي من الشعب السوداني، بل باتت الخدمات الاساسية من مياه وغذاء وصحة وكهرباء خدمات مدفوعة القيمة مقدماً بعد أن كانت خدمات اساسية توفرها الدولة واصبح الوطن دولة اللارعاية الاجتماعية.
رغم الموارد الاقتصادية الضخمة التي تذخر بها بلادنا، إلا أن التوجه الاقتصادي الطفيلي للنظام وتسخيره لتلك الموارد وعوائدها في الصرف على مليشياته الامنية والعسكرية بما يعادل ثلث الميزانية العامة للدولة في ما لا يتجاوز الصرف على الصحة والتعليم مجتمعين 3% تذهب معظمها لتغيطة الفصل الاول لمرتبات العاملين بحقلي التعليم والصحة.
اما ايرادات البترول الذي تقافزت اسعاره حتي تجاوز سعر برميل خامه الـ140 دولاراً، فقد ذهبت عائداته واموال حساب التركيز في الصرف البذخي على المؤتمرات والضيافة غير المبررة، لم يجن شعبنا منها سوي المزيد من المعاناة وبدلاً من الاهتمام وتنمية القطاعين الزراعي بشقيه التقليدي والمروي والحيواني الذي يمثل العاملين فيهما اكثر من 70% من الشعب السوداني، اهملهما النظام الانقاذي وحاربهما وحول موسم الحصاد والصادر من نعمة زيادة الدخل لنقمة الايداع في الحراسات، وجعل المنهج الاقتصادي بالبلاد قائم على اساس اقتصاد استهلاكي حول البلاد التي صنفها البعض بأنها سلة غداء العالم لمستورد للثوم من الصين والبصل من مصر والبيض من الهند والنبق من بلاد فارس وغيرها من المنتجات التي اصبحت جزء من قائمة صادرات البلاد.
بات شعبنا يعاني ضعفين جراء المعاناة بسبب الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وانعدام فرص العمل من ناحية والرسوم والجبايات والعوائد و ... الخ من الاتوات التي يتم تحصيلها وجبايتها ويكد المواطن ويشقي كل يومه في السعي للرزق ليدعم خزينة الدولة العامة.
لقد بات الحصول على مأوي ومسكن في السودان حلم بعيد المنال بسبب ارتفاع اسعار الاراضي السكنية ومواد البناء، وتكتظ المدن والارياف بجيوش الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل الجالسين على الارصفة والطرقات وظلال الاشجار، فيما تفتخر الحكومة بعدم وجود وظائف جديدة خلال العام المالي 2009م.
الاوضاع المالية بالأسواق وتأثرها بالازمة المالية العالمية بات امر معلوم وملموس للعاملين في المجال التجاري وهو ما ينذر باوضاع اكثر سوء وضيقاً ومعاناة في نهاية هذا العام، ورغم ذلك كابرت بعض قيادات الحكومة وسعت لاثبات وبرهان عدم تأثر الاقتصاد السوداني بالازمة المالية العالمية وانتهجوا التصريحات وسيلة لمجابهة تداعيات تلك الازمة العالمية، بدلاً من البحث عن حلول عملية وعلمية لتداعيات تلك الازمة، لكن فشلت تلك التصريحات في اخفاء الازمة واثارها التي باتت تصب كل يوم ناراً على رؤوس الفقراء والمسحوقين.
لم تقف تأتثيرات الازمة المالية العالمية على المستوي القومي بل طالت حتي مستوي جنوب السودان والولايات بما يؤثر على التنمية وتعزيز وتمتين الوحدة بين الشمال والجنوب، اننا ندعو حكومة جنوب السودان للبحث عن البدائل التي تفضي للخروج عن الوضع الراهن بما يحقق استقرار الاوضاع الاقتصادية بجنوب السودان بما يعزز خيار السلام والوحدة الوطنية.
نحن في حزب التحالف الوطني السوداني وبوصفنا حزباً يعبر عن الفقراء والمحرومين والداعين لدولة مدنية ديمقراطية موحدة مع دولة المواطنة والرعاية الاجتماعية الشاملة، وسيختار شعبنا في يوم قريب قادم خياره لمستقبله ونثق أن الذين افقروه ونهبوا امواله سيهزمون في خاتمة المطاف.
وثالث المخاطر، أفرزها الصرِاعُ بين القبول بقوَّات الأمم المتحدة لحفظ السلام، أو فَرضِه في دارفور، والتحضير لمُقاوَمَته بالصَّرخات الجهاديَّة، وغضُّ النظرِ عن التشيُّع بالمذهب العراقي الطالباني في المقاومة.
وإذا راجَعنا فترة حُكم الإنقاذ خلال عشرين عاماً، نلحظُ زراعة التطرُّف، سواءٌ باحتضان التنظيمات الجهادية الأجنبية في السودان، خلال الفترة الأولى من حُكمِها، أو رفعُ الشِعَارات، وإشعالُ الحُروب والصَّرخات.. والأهم، مُحاربة إسلامُ الإنقاذِ للإسلام الشعبيِّ الصُوفِي، عن طريق تشطير المسايد والسجَّادات والمشايخ، أو عن طريق الضغط على الأحزاب السياسيَّة التي تستند على الإسلام الصُوفي .. هذه الزراعة والضغط المتواصلين أحدثا فراغاً تدريجياً، ظلَّ يملأه وبنفس النسبة الإسلام المتطرِّف سلفياً أو قاعدياً أو جهادياً.. وهذا هو الخطر الحقيقي القادم، وكثيرون ربَّما لا يرونه اليوم، ولكنه قادم.
الأمل والتغيير :
ونبدأ بسؤالٍ: هل يُوجدُ أمل؟
ونُجيبُ: الأملُ موجود.
ثم نسألُ: هل يُمكِنُ التغيير؟
فنُجيب: التغييرُ قادم.
ظلَّ التحالف الوطني السوداني منذ نشأته مُتسلِّحٌ بفِكرِ التحالُفات .. شارك في مؤتمر القُوى الرئيسية ديسمبر 1994م – التجمع الوطني الديمقراطي 1995م، واستمرَّ في عُضوِيَّتِه إلى أن فَقَدَ فاعليَّته بفعل الاتفاقات الثنائية، التي أزاحت عنه بوصلته.. ولو لا أن المجلس الوطني المُشارِك فيه على مشارف نهايته، لكان لنا اليوم موقفٌ آخر.
ثُمَّ طَرَحَ التحالف الوطني السوداني شعارُ ”وحدة قوى السودان الجديد“، بل كان على وعيٌ سابق به، وعَمِل من أجله بِجَدٍ وصِدْق، وكَوَّن حِلفاً ثُلاثياً، أضلاعه: مؤتمر البجة، التحالف الفدرالي، والتحالف الوطني السوداني، وحقَّق الحلفُ نجاحاً سياسياً ملموساً، وعلى الأرض في الميدان، إلا أن هذا النجاح لم يتواصل ويتنامى.. وقد شَهِدَت جُهود التحالف تحسُناً وتقدُماً وتلاقِياً في المواقف والأفكار مع الحركة الشعبية، تُوِّجَ بطرح وُحدة التنظيمين في 28 فبراير 2002، لكنَّها هي الأخرى تعثَّرت حين بدأت الخطوات الفعليَّة لتطبيق الاتفاق، فتبايَنَت رؤانا حول كيفيَّة التوحيد.. وبدلاً من أن تقود إلى وحدة التنظيمين، أدَّت إلى انقسامِ التحالف..
وخَطا التحالف الوطني السوداني بعد عَودَته داخل السودان تِجاه هذه الوحدة بمثابَرةٍ، فكانت نتائجُها حركة التضامُن التي تكوَّنت مع عددٍ من التنظيمات التي نعتقِدُ أنها الأقرب إلينا. لكن أُشيرُ هنا إلى أهم الخطوات مع حزب ”المؤتمر السوداني“، صاحب ماركة الاسم الأصلي.. ونأمل أن تُتوَّجُ هذه الخُطوات جميعها بنواة صلبة لكتلة القوى الجديدة، وحزبها المُستقبلي.
كثيرٌ من الأحزاب تسعى إلى عقد تحالفات، ولكنها تتردَّدُ، فالأمر يتطلَّبُ المرونة والإرادة والشجاعة.. يدعو بعضُهم إلى عقدِ التحالُفات بعد الانتخابات القادمة لمعرفة الأوزان، وعلى أساسِها تُعقَدُ التحالُفات، ولكن في التحالف الوطني السوداني ندعُو إلى عقد التحالفات قبل الانتخابات.
الكتلة السحرية الغائبة :
إجراءُ انتخاباتٍ عامةٍ في البلاد يُعتبرُ من أهم إنجازات اتفاقيَّة نيفاشا، وهي وسيلة مهمَّة للأمل والتغيير- والانتقالُ الحَرِج من الشُموليَّة إلى الديمقراطيَّة – عملية الانتقال الحَرِج لا تتمُ بسهولةْ، لأن من أهمِّ سِماتِها مُقاوَمَةُ النظامُ الحاكِم لعمليةِ الانتقال، في مُقابِل مُقاوَمَة المُجتمَع المَدَني للدَّفع باتجاه الانتقال.. والتجارب المتشابهة في كينيا وباكستان تُعَلِّمُنا أن الأمل موجودٌ، والتغيير قادمٌ، وفي تجربتنا السودانية كان المِفتاحُ السِحري هُو بِناءُ كُتلةٍ تقودُ إلى التغيير (جبهة الهيئات في العام 1964م – التجمع النقابي والحزبي في العام 1985م) .. إضافة إلى هذه الحقيقة التاريخية، فإن الحُروب والظُلم والطُغيان بالضرورة تخلقُ وعياً، ولحدٍ كبيرٍ، الوعي يُنتِجُ الاستعداد للتغيير.
نقاطُ ضَعْفِ المُعارضة واضحة، وأهمُّها الانقسامات والتوتُّرات داخل الأحزاب، وغيابُ التنظيم وقلة المال، بل وانعدامه، وقلةُ الحيلةِ الإعلامِيةِ والدِعائِيةِ، والحِرمان من عَقْدِ الندوات واللقاءات الجماهيريَّة بفعل القانون القابض.
الطريقُ السحري للانتصار والتغيير السلمي، بل والواقعي أيضاً، هو تكوين ”كتلة تاريخية“ ببرنامج الحَد الأدنى. ومُرشَّح الحد الأدنى في رئاسة الجمهورية والدوائر الجغرافية وكل المستويات الانتخابية.
قوس قزح السوداني :
وإن كان ذلك يبدو نظرياً سهلاً إلا إنه عملياً يحتاج إلى إرادة وجهد ويبدأ بالإتفاق على هزيمة المؤتمر الوطني في الإنتخابات ... ومن مؤتمرنا العام الثالث وبإسم التحالف الوطني السوداني ندعو إلى إجتماع مشترك، ونوجه النداء إلى :
• السيد: الفريق اول سلفاكير ميارديت - رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.
• مولانا: محمد عثمان الميرغني - رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل.
• الإمام: الصادق المهدي - رئيس حزب الأمة القومي.
• الأستاذ: محمد إبراهيم نقد - السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني.
• د. حسن الترابي – الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي.
• السيد: مني اركو مناوي - رئيس حركة تحرير السودان.
• السيد: موسي محمد احمد – رئيس مؤتمر البجا.
• السيد: عبد الواحد محمد نور – رئيس حركة تحرير السودان.
• د. خليل ابراهيم – رئيس حركة العدل والمساواة السودانية.
• تضامن القوي الوطنية (تقدم).
• لجان المفصولين والمحالين للصالح العام.
• اتحادات النقابات الشرعي.
واختتم حديثي:
هل يوجد أمل ؟ ... الأمل موجود.
هل يمكن التغيير؟ .. التغيير قادم.
مفهوم الوفاق الوطني: الوفاق ضد الانقاذ ..
الوفاق الوطني ... لهزيمة المؤتمر الوطني ...
الوفاق الوطني ... الوفاق على مرشح واحد ... في الدوائر الجغرافية ...
ومرشح واحد لرئاسة الجمهورية.
كل الاسلحة المختبرة تظل مشروعة ومروفوعة.
ماينوم