اكمل حزب التحالف الوطني السوداني الترتيبات لانعقاد مؤتمره العام الثالث الذي ستعقد جلسته المفتوحة صبيحة السبت القادم بقاعة اتحاد المصارف، والتقت صحيفة السوداني بالمركز العام لحزب التحالف برئيس المكتب التنفيذي العميد معاش عبد العزيز خالد الذي قدم العديد من الافادات حول المؤتمر، كان ابرزها تمسكه الكامل بعدم ترشحه لرئاسة الحزب مجدداً في المؤتمر الثالث، كما تطرق لعلاقة حزبه بالحركة الشعبية وتمويل المؤتمر الثالث وعلاقاتهم بدولة اريتريا. فإلى مضابط الحوار:
نقلاً عن صحيفة السوداني العددين رقم 1244 و1245 الصادرين يومي الخميس 30 ابريل 2009م والجمعة 1 مايو 2009م.
حوار: خالد عبد العزيز ـ ماهرابوجوخ
تصوير: سعيد عباس
ما هي أهم المهام والتحديات التي تواجه المؤتمر العام الثالث للتحالف؟
في البداية التحية لصحيفة (السوداني) التي نتمنى لها النجاح، ومن الضرورة المحافظة عليها بوصفها من التجارب المهمة في تاريخ الصحافة السودانية الحديثة. وفيما يتصل بسؤالك حول التحديات التي تواجه مؤتمرنا الثالث فهي عديدة بعضها متصل بالتحالف والبعض الآخر متصل بالوطن. ودعنا نشير لبعض الجوانب التي تهم التحالف ويأتي على رأسها أننا حركة جديدة تطرح رؤى جديدة تميزت بالاستمرارية والجرأة والمبدئية والمبادرة والقدرة على طرح اهداف كبيرة، واعتقد أنه قدم رغم قصر عمره الكثير بفضل تراكم الخبرات والجرأة في تقديم الحلول وجميع تلك المقومات كانت تميزه، إلا أن دخوله للسودان لم يتم بصورة منظمة نتيجة لاشياء كثيرة من بينها الحرب فى القرن الافريقي بين اثيوبيا واريتريا التي اثرت على العمل المعارض بصورة عامة والتحالف بشكل خاص، من الضروري الاشارة لمسألة مهمة متصلة بتكوين الحركات المسلحة السياسية العسكرية التي تعيش في ظروف غير طبيعية واستثنائية، ويوجد تحد ثان وهي أن الثقافة التي جاء بها التحالف تعتبر ثقافة جديدة مختلفة عن الثقافة السياسية السائدة بالبلاد والتي تعتمد على ثقافة تقليدية إما طائفية أو عقائدية وايدلوجية.
ونحن طرحنا افكارا لا تستند على الطائفية أو الايدولوجيا من خلال اطروحات تقوم على طرح اهداف ووسائل تحقيقها، ومن الاشياء المهمة التي اسهم فيها التحالف بشكل مهم هو خلق البؤر الثورية في العديد من المناطق عبر اطروحة الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة وهو امر لا يشير إليه المؤرخون، كمشروع فكري وسياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي مجابه للاطروحات التي طرحتها الانظمة السابقة والتي جعلت وحدة السودان مهددة بالتفتت. ايضا يأتي هذا المؤتمر في ظل تحديات تنظيمية للتحالف لترتيب اوضاعنا ويمكن أن نقول إننا بدأنا تنظيم انفسنا ولدينا الشجاعة الكاملة في اتخاذ القرار، فحينما دخل مقاتلون للداخل دون اتفاق مع الحكومة طرحنا شعارنا (الرزق قبل الحزب) بان يكيفوا اوضاعهم وحياتهم نسبة لعدم وجود اتفاق سياسي يعيد عملية دمجهم بمجتمعهم . وهذا القرار بكل المقاييس شجاع وصعب في نفس الوقت.. تأمل مقرنا ومكتبي هذا باعتباري رئيس المكتب التنفيذي وحينما تقارنه بأي مكتب امانة لحزب المؤتمر الوطني فالمقارنة معدومة طبعاً ونحن نفتخر ونعتز بأننا حزب مساند ومعبر عن الفقراء وبالتالي من الضرورة أن يكون شبيها لهم وجزءا منهم.
ايضاً هناك تحديات تواجه الوطن ووحدة السودان.. كيف نحافظ عليها؟ وبناء الكتلة التاريخية لقيادة التغيير وبناء السودان الجديد وهذه احدى الاشياء التي ظلت تميزنا!! ورغم أن بناء هذه الكتلة التاريخية سهل نظرياً لكنه صعب عملياً، والعمل السياسي تعتريه حالات صعود وهبوط. ولعل البعض تخيل أن التحالف يمكنه أن يزحف من كسلا للخرطوم، وحتي الاشخاص الذين عاشوا على تلك الامنيات اصيبوا بخيبة امل كبيرة، ولكننا لم نعش في تلك الاماني أو نخدع انفسنا بها.
لكن تلاحظ أن صوتكم أثناء المعارضة كان أعلى وانخفض بعد عودتكم للداخل، كما أن هناك عدة اتهامات تطاردكم بعدم قدرتكم على التحول لحزب سياسي وسيطرة مجموعة من الضباط المتقاعدين على التحالف وأنه لم ينفتح في عمله السياسي.. ويعتري عمله السياسي والجماهيري ضعف شديد ؟
في السابق كان صوت البندقية عالياً وهى تطغى حتى على اصوات التظاهرات وحتى حينما نتحدث عن الانتفاضة نجد أن صوت البندقية ومطالبها يعلو على الهتافات. ونحن تحولنا لحزب سياسي دون اي مشقة أو عناء وهذا يعود لان مشروعنا لم يكن عسكرياً.. ونحن حينما اطلقنا عليهم هذه التسمية لم نقصد أنهم محاربون وانما مقاتلون لاجل الحرية، ولو اخذنا عدد ساعات التأهيل التي تلقوها لوجدناهم اخذوا اوقاتا اكبر في التعبئة السياسية والورش والسمنارات قياساً بدورات رفع القدرات العسكرية. ببساطة كنا ننظر لهذا المشروع باننا نربي كادرا ثوريا وبدأنا بمشاريع محو الامية لمقاتلينا وحينما يتحدث كادرنا فإنك تظن انه خريج جامعة السوربون ـ ضحك ـ وهذا الامر ساعدهم وساعدنا بالطبع على التحول السياسي. ونحن منذ البداية قلنا لمقاتلينا ان الفترة الزمنية للبندقية محدودة. التنظيمات التي قامت بنيتها التحتية بشكل عسكري تؤثر على التركيبة الداخلية وينتج عنها عقلية أمنية وعسكرية وذات الامر ينطبق على الاحزاب الايدولوجية التى تفرز في خاتمة المطاف عقلية امنية وعسكرية.
دعني اعطيك معلومة وهي أن المنضوين للتحالف من القوات المسلحة أو الشرطة أو السجون أو الامن يعتبر عددهم قليل مقارنة بغيرهم القادمين من خلفية مدنية وتدربوا في مدرسة حرب العصابات الثورية التي انشأناها، وحتي عمل الحزب الحالي يديره الشباب.
اعقتد انك سألت عن انفتاحنا السياسي وعملنا الجماهيري؟ نحن عملنا مبني على الانفتاح مع الجماهير والاحزاب وهو امر موجود ومستمر، لكن هناك ظروف حالية متصلة بالاوضاع السياسية العامة بالبلاد لم تسمح بخروجه لدائرة الضوء رغم وجوده. يمكن أن تقيم ندوة ولا تنشر أو لا يسمح لك باقامة ندوة سياسية في الساحات، لكن الامر المؤكد أن المشهد سيختلف تماماً إذا عدلت القوانين.
هناك سؤال أساسي حول مسألة تجديد القيادة بالحزب. هل سيكون مؤتمركم إمتدادا لمؤتمرات أحزاب كالمؤتمر الوطني والشيوعي والأمة القومي التي جددت لقيادتها فترتها القيادية ؟
نحن لدينا مبدأ (عدم ابدية الرئاسة أو استمراريتها). وهذا احد المبادئ الاساسية لنا لاننا حزب جديد ونظامنا الاساسي يجعل الرئاسة لدورتين فقط وهذه دورتي الثانية ولذلك لا استطيع الترشح مرة اخرى، وعند بداية المؤتمر الثالث اكون اكملت فترة الدورتين ولذلك فلن اعود رئيسا للمكتب التنفيذي للحزب وسيأتي آخر أو اخرى بديلا لي.
إذاً يمكننا القول إن إعادة ترشحك لرئاسة الحزب قد حسم وبات خارج التوقعات؟
نعم. فطبقا للوائح هذا الامر محسوم ومفروغ منه. الجانب الثاني اننا نتحدث عن العقلية الشمولية بالتالي لن اقبلها ولن يقبلها مقاتلون بالحزب. واعتقد أن الاحزاب الاخرى ارتكبت خطأ، ولكننا نأمل أن تسهم خطوتنا هذه في المساعدة على التخلي عن مفهوم الرئاسة الابدية.
لكننا تلمسنا اتجاه ومساع من بعض اعضاء الحزب لاعادة انتخابك مجدداً ؟
صحيح أن بعض العضوية رأيها التعامل مع المؤتمرين السابقين الاول والثاني باعتبارهما مؤتمران تمهيديان وجعل هذا المؤتمر الاول بالسودان وان نحسب دورة رئيس المكتب التنفيذي من هذه النقطة بمعنى أن تكون الدورة القادمة في المؤتمر الثالث هي الدورة الاولى، لكنني تصديت لهذا الامر وقلت لهم أن هذا تحايل على النظام الاساسي ويقودنا لعقلية شمولية ويناقض مبدأنا في عدم ابدية الرئاسة. النقطة الثانية عدم ترشحي لرئاسة الحزب لا يعني أنني سأغادر صفوف الحزب وسأكون بموقع آخر وسأحترم قيادة الحزب الجديدة التي سيتم انتخابها وسأعمل معها بكل رغبة وجدية وسيرى الشعب السوداني تجربة جديدة ومختلفة.
إذاً يمكننا القول إن أمر ترشحك لرئاسة الحزب بات أمر مفروغ ولن تترشح للرئاسة؟
بالضبط ويمكنك أن تقول قضي الامر فيه نهائياً.
هل سيتم تقييم تجربة الوحدة بينكم وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان وما خلفته من انقسامات وانسلاخات بالتحالف؟
من الضروري أن تكون هذه القضية من بين الاجندة وهو من بين الموضوعات التي تتضمنتها فترة التقييم بين المؤتمرين الثاني في يوليو 2001م والثالث في مايو 2009م، نحن لا نشعر بجروح تجاه الحركة الشعبية أو الذين انقسموا منا ولكننا نعتقد أن قراءتهم كانت غير صحيحة سواء الذين انقسموا عنا أو الحركة. فالمنقسمون استعجلوا اكمال عملية دمج التحالف داخل الحركة ولكنهم لم يستطيعوا تقديم أي اضافة داخل الحركة بعد دمجهم فيها، فيما استمرت الحركة في تعاملها مع المجموعة المنقسمة.
ولو مضى المشروع لنهايته المنطقية واعد برنامجا للسودان الجديد يحتوي على الرؤى والاهداف والهيكل. وهذه القضايا التي تمسكنا بها وطرحناها ولم نتحدث عمن يقود أو الاسم وانما ذهبنا نحو المشروع، وقتها كان يمكن أن نقدم للقوى الجديدة والشعب السوداني تجربة مختلفة، وحتى الحركة الشعبية حينما جاءت بعد اتفاق السلام الشامل استغرقت وقتا طويلا في عمليات البناء وهو وقت كان يمكن توفيره.
ومنذ توقف الحوار الرسمي بيننا وبين الحركة الشعبية لم يتم أي حوار جاد أو تفاوض جاد بيننا لاكمال مشروع الوحدة. صحيح أن هناك لقاءات تجمعنا مع قيادات بالحركة لكنها لا تتجاوز محطة تبادل الآراء والمواقف حول القضايا. لكن الامر المثير للاستغراب وينطبق عليه المثل (شر البلية ما يضحك) أن يفضي توجه التحالف للوحدة لانقسام وهو تناقض غريب. لكن كما قلت مسبقاً بأننا ليست لدينا جراحات مع احد وندعو الذين انقسموا عنا للعودة ونرحب بهم في أي وقت والباب مفتوح لعودتهم مجدداً.
هل يشمل هذا الترحيب حتى قيادات الانقسام وعلى رأسهم رئيس الدائرة السياسية السابق بروفسير تيسير محمد أحمد على وغيره من القيادات التي تعتبرونها خططت لانقسام 2004م ؟
صحيح اننا يمكن أن نصنف اولئك الاشخاص الذين انقسموا، لكن من الضرورة الاشارة لوجود مواصفات وشروط للراغبين في العودة من الذين انقسموا في لوائحنا الداخلية فهناك النقد والنقد الذاتي، لكن نحن نرحب بالذين انقسموا عنا، وحينما ننظر للمسألة من جانبها العقلاني فمن الافضل والاسهل لنا أن يكون معنا الذين كانوا جزءا من حركتنا في يوم من الايام، وهم بالتأكيد اقرب الينا من اعدائنا.
هل يمكننا القول بأن الحركة الشعبية لم تكن جادة في إكمال عملية الوحدة بعد توقيعها لاتفاق السلام الشامل ووصولها للسلطة ؟
اعتقد أن العبارة الادق بأنه لم يكن من اسبقياتها التوحد مع التحالف والقوى الجديدة، وانما باتت تلك الاسبقيات مرتبطة بمواضيع وقضايا اخرى استجدت لها بعد توقيع اتفاق السلام الشامل. فالبعض رأى الاسبقية الافضل بالمضي مع الشريك الموقع معه اتفاق السلام الشامل. و هناك من يرى الافضل المضي مع الحليف الموقع معه اتفاق السلام الشامل، فيما كان هناك رأي ثان يرى المضي قدماً في وحدة قوى السودان الجديد.
لكن في تقديري أن الوقت قد حان لاعادة طرح مشروع الوحدة مع الحركة الشعبية، ووجهنا لهم الدعوة لحضور الجلسة المفتوحة لمؤتمرنا الثالث. وسندعو الحركة خلال خطابنا في تلك الجلسة وبداية التفاوض من النقطة التي توقفنا فيها، ومن جانبنا نؤكد رغبتنا الخاصة في السير تجاه وحدة قوى السودان الجديد.
ما هو مستقبل علاقاتكم مع أريتريا ؟
بالطبع العلاقات الخارجية ستكون احدى الاجندة الرئيسية بالمؤتمر، لكن لعلمكم فقد اجتمعنا بالخرطوم مع احد المسؤولين الاريتريين واعدنا معهم العلاقات وشهدوا بأن التحالف تنظيم عظيم، وانه رغم الخلاف الذي وقع لم يحدث أن اساء احد قيادات التحالف للحكومة أو الشعب الاريتري بل كانت كل التصريحات تحية لهما لمواقفهما واستضافتهما للتحالف بصبر وتقاسمهما معنا في السراء والضراء، هذا الامر لا يعود لاننا سودانيون نقدر مسألة الاستضافة فقط، وانما لان الثوريين صفتهم النقاء. صحيح لم يزر وفد منا اريتريا لكننا اتفقنا على زيارة وفد منا لاريتريا حينما تتاح الظروف.
وماذا عن قضية ممتلكات الحزب الموجودة بأريتريا ومصيرها؟
نحن مهتمين بهذا الامر، هناك وثائق خاصة موجودة لدى الانقساميين ومطلوب منهم تسليمها لانهم انضموا للحركة، ولدينا ممتلكات اخرى من ضمنها اذاعة صوت الحرية والتجديد والتي تأكد أنهم سيعطوننا لها في الوقت المناسب. وقولوا ذلك على لساني، واعتقد انهم حتى لو اعادوها لنا خلال الفترة الماضية ما كنا نستطيع تشغيلها لعوامل وظروف عديدة.
هناك اتهامات بأن التحالف رد فعل من مفصولي القوات النظامية وبعد انتهاء المعركة السياسية لم يمض لنهاياته وتحوَّل لحزب صغير خافت الصوت؟
صحيح أن لكل فعل رد فعل ينتهي بوقته، والتحالف قام نتيجة طبيعية للصراع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الممتد تاريخياً، وحتى إذا لم تقم الانقاذ فإن كل صراع ينتج قوة تعبر عن هذا الصراع، ويمكننا القول بأن ثورة 1924م هي إحدى المحطات ومؤتمر الخريجين أيضاً محطة، والتحالف نشأ تعبيراً عن قوى صامتة وحديثة والمجتمع المدني والمراكز البحثية، ونعبر عن الفقراء والمحتاجين والعمال والزراع في كل أنحاء السودان وننحاز للاسلام الشعبي الصوفي دون أي مزايدة من الاسلام السياسي. ولدينا وضوح كامل في رؤانا حول القطاعات التي نعبِّر عنها. نقر بأننا لسنا حزبا تاريخيا وربما يعتبرنا البعض مجرد رد فعل، لكن الامر الصحيح أننا نعتبر نفسنا امتدادا لثورة 1924م واستلهام اهم قيمها في السودان المدني الديمقراطي والهوية والفكر الوحدوي وسودانية الارض التي نبع منها. نحن نقر بأننا حزب صغير ولسنا حزباً كبيراً بأي حال من الأحوال، ولكن أهدافه كبيرة وكثير من الناس أمانيهم وتطلعاتهم مرتبطة به، إننا نوعد الناس الذين اعتبروا التحالف بأن آمالهم وتطلعاتهم لا تزال قائمة في مواجهة البديل الداعي لدولة دينية أو السودان القديم أو التخلف أو دولة الظلم، فالفرق بينها وبين ما نطرحه كبير ومختلف جداً.
لكن من الناحية النظرية تواجه الدعوة للدولة المدنية الديمقراطية مصاعب في واقع يستند على الأحزاب ذات الولاء التقليدي، كما أن شكوكا تكتنف مستقبل وجود مثل تلك الأحزاب الداعية للدولة المدنية في ظل وجود تلك الأحزاب التقليدية وانحسار اليسار المطالب بدولة مدنية أو علمانية؟
نظرياً السؤال يبدو صحيحا، لكن، واقعياً غير صحيح. فأي عالم أو باحث يضع نظرية تظل معلقة لحين تطبيقها. فقط دعنا نتأمل في المشاريع التي تم تطبيقها بغض النظر عن الاسماء أو الوجوه أو المشاريع، فالنتيجة النهائية التخلف والتدهور. واعتقد أن أي ظلم وطغيان يقود للوعي وهذا الوعي يقود للتغيير. مشروع الدولة المدنية هو سودان المستقبل، الدولة المدنية لديها مرتكزات أساسية، فهي دولة مؤسسات لا دينية أو أمنية أو بوليسية، تطرح هوية سودانية لا عربية أو أفريقية أو اسلامية، وتقوم على العدالة والمساواة والحريات الكاملة سواء كانت عامة أو خاصة وتستند على حقوق الإنسان في دستورها وقوانيها، وغير مرتبطة بالدين ويفصل فيها الدين من السياسية ولا يستغل للاغراض السياسية، نحن غير بعيدين عن القواعد الشعبية أو نسكن في بروج عاجية وإنما نرتبط بايقاع المجتمعات ومحتكين وملتصقين بهم، وأنا حينما أذهب لاهلي لأحثهم للتصويت لي فذلك ليس لانني ابن العمدة خالد وإنما بناءً على ما اقدمه لهم من برامج. ليس هناك مخرج للدولة المتنوعة سوى الدولة المدنية، هذا التنوع يعتبر اهم ميزات السودانيين، وهذا التنوع ليس بين الشمال والجنوب فقط وإنما تنوع (شمالي/ شمالي) و(جنوبي/ جنوبي) أيضاً، ولذلك فمن يعتقد أن انفصال الشمال عن الجنوب سيكون أمراً جيداً فهذا ينم عن ضعف في التفكير والرؤية، فدارفور وجبال النوبة والنيل الازرق وكجبار وبورتسودان كلها بالشمال الجغرافي وهي ذاتها متعددة، وحتى الذين يعتبرون أن الدين عامل وحدة يمكنهم أن ينظروا لدولة مثل الصومال كل سكانها مسلمون وليس فيها تنوع وتعدد ورغم ذلك تمزقها الحرب الأهلية.
دعنا ننتقل لتقييمكم لتجربة التجمع الوطني الديمقراطي الذي يعتبر أكبر التحالفات السياسية التي شهدها السودان، بوصفكم أحد فصائله الأساسية؟
حينما دخلنا التجمع كان بعضهم رافضاً لدخولنا له، نحن لدينا قناعة بالعمل الجماعي وحينما انضممنا للتجمع في اواخر مايو 1995م قدم 3 من اعضائنا استقالاتهم باعتبار أن الانضمام للتجمع خطأ سياسي. لكن رؤيتنا تقوم على العمل الجماعي وتكوين الكتل التاريخية. وشكَّل التجمع كتلة وانتج مقررات أسمرا والقضايا المصيرية، إلا أن التكوين هش جعل من السهولة بعثرته بعامل واحد وهو الاتفاقيات الثنائية، حينما توجه أي فصيل من الفصائل نحوها وهو الأمر الذي ادى في خاتمة المطاف لاصابة التجمع بعدم الفعالية. نحن لم نقدم استقالتنا من التجمع وما زالنا موجودين فيه لأن قناعتنا بأن العمل السياسي متغير ويمكن أن يعود التجمع وفعاليته بفصائله الحالية وبأخرى خارجه ودعوته لقيادة التغيير، ويمكن أن نقول "إن التجمع لا يزال موجوداً وإنما غير فاعل".
لكنكم تبدون متناقضين تطرحون أنفسكم كمعارضة وتشاركون في البرلمان وتنتقدون ثنائية الاتفاقيات وتشاركون في مؤسساتها، ألا يجعل هذا الوضع مواقفكم ضبابية؟
نحن من قدّم مشروع المشاركة البرلمانية في التجمع خلال الفترة التي اعقبت اجتماعاته حينما وقعت الحركة على اتفاق السلام الشامل. وتطرقت تلك الاجتماعات لمستقبل التجمع. ووقتها طرح البعض الدخول والمشاركة تنفيذياً وتشريعياً وبعضهم تحدث عن المقاطعة. وقدمنا أوراقاً مهمة في اجتماع هيئة القيادة في يونيو 2004م تقوم على أساس المشاركة التشريعية، معارضين استمرار وجودنا بالخارج كمعارضة، دون أي ملامسة للسلطة التنفيذية. هناك عقلية تقوم على المقاطعة الكاملة ونحن نتعامل مع معطيات سياسية فاتفاق السلام الشامل أصبح موجوداً ونتعامل معه، وهناك اتفاق شفهي بالتنسيق بين الحركة والتجمع خلال اجتماع التجمع بحضور الفقيد د.جون قرنق بأن تكون نسبة التجمع رصيدا اضافيا للنسبة المخصصة للحركة.
مقاطعة: لكن فعلياً هذا التنسيق لم يتم تنفيذه؟
بغض النظر عن هذه النقطة، ولكنني اوضح لك بأننا قدمنا هذا المشروع، وهناك أدوار تمت بالبرلمان من خلال تنوير المجتمع بالمواقف الاخرى على الصعيد البرلماني، ومجموعة التجمع البرلمانية ودورها رغم أنها بالحسابات ضعيفة لكنها أحدثت حراكاً سياسياً وأسهمت في تغيير أجزاء كبيرة من القوانين التي صدرت بغض النظر عن مقدار رضائنا بها، لكن في خاتمة المطاف هذا عمل سياسي، ورؤيتنا كانت الدخول للسلطة التشريعية كمعارضة مع عدم الدخول في السلطة التنفيذية.
كيف تنظرون لعملية الانتخابات وبناء التحالفات والبرامج الحزبية في الانتخابات؟ هل ستخوضون الانتخابات عبر التحالفات أم لوحدكم أم ستقاطعون العملية الانتخابية؟
نحن نطرح شعار (الأمل والتغيير) والجزئية المتصلة بالتحالفات ستطرح خلال مؤتمرنا، ونحن نرى ضرورة بناء كتلة تاريخية تقود التغيير، فالساحة أجندة التغيير موجودة فيها وتحتاج للكتلة، وبالمقارنة بثورة أكتوبر 1964م نجد أن الجهة القابضة كانت موجودة والكتلة أوجدت عبر جبهة الهيئات وفي انتفاضة أبريل 1985م، تشكلت كتلة التغيير المتمثلة في التجمع النقابي، وكتلة التغيير حالياً غير موجودة بالساحة، وفي تقديري هذا المفتاح السحري لهزيمة المؤتمر الوطني، ولذلك فأي حزب يعتقد أنه يريد انتشال الوطن عليه أن يحدد عدوه. نحن حددناه في المشروع الحضاري، وليست هذه دعوة شخصية فهم قدموا المشروع الحضاري، ونحن نطرح الدولة المدنية وهذا المشروع الحضاري هو عدونا اللدود وهذا أمر واضح بالنسبة لنا لا لبس فيه، وبالتالي على الآخرين أن يحددوا موقعهم فإذا كانوا اقرب للمشروع الحضاري فليذهبوا نحوه وإذا كانوا بعيدين منه فلنتكتَّل سوياً، ويجب أن تسبق التحالفات الانتخابات.
هناك اتهامات مصاحبة لنشأة التحالف، حيث اتهمه البعض بأنه صنيعة أمريكية وسلاحه أمريكي وأنك شخصياً صنيعة أمريكية؟
اعتقد أن كل جديد مثير، ودائماً عدوك يبحث عن نقاط ليهاجمك، فحتى الحكومة ظلت تبحث لــ 20 عاماً عن علاقة مع واشنطن، واذا كنا قد نجحنا في بناء علاقات مع الأمريكان ومؤسسة الضغط ومراكز البحوث فهذا يعد نجاحاً دبلوماسياً لتنظيم في عمرنا، من خلال إنشائنا لشبكة علاقات مع الولايات المتحدة الامريكية واريتريا واثيوبيا ومصر وكينيا ويوغندا وغيرها، لكن المهم بالنسبة لنا عرض هذا الامر بدون محاولة التخوين لان مثل تلك الاساليب لن تزعج احداً.
هل معنى حديثك هذا أنكم لم تستقبلوا تمويلاً عينياً من أمريكيا ولا سلاح؟
لا نحن أو غيرنا. فالولايات المتحدة الامريكية دولة مؤسسات ولا تعطي سلاحا أو اموالا إلا عن طريق ثانٍ. في اوراقنا لدينا اشياء غريبة وعجيبة ستثير الحيرة والاعجاب في ذات الوقت، نحن اول عملية نفذناها كنا نريد سلاحا وفعلاً نفذنا العملية وحصلنا على السلاح، في المرحلة الثانية احتجنا لماكينة طابعة وعربة وخططنا عملية وحصلنا على تلك الأشياء التي كنا نحتاج لها في بداية عملنا السري، وحينما احتجنا لوقود نفذنا عملية صغيرة واستولينا على تانكر وقود، نحن ادرنا عملنا بطريقة احترافية لم نكن هواة حرب عصابات، سيما واننا كنا ندرس هذا العلم، وتيم عملياتنا بقيادة الشهيدين عبدالعزيز النور وسليمان ميلاد اصحاب قدرات عالية. نحن لم نجد الدعم المالي، وهذه سانحة لنشكر كل الأصدقاء الذين دعمونا حينما أخبرناهم بأن التحالف حركة صغيرة بداية بإذاعتنا التي اسميناها صوت الحرية والتجديد التي تبرع سودانيون ودفعوا قيمتها كاملة.
دعنا نسألك عن مصدر تمويل مؤتمركم العام الثالث الذي سيعقد يوم السبت القادم بقاعة اتحاد المصارف؟
توجد قاعات أكبر حجماً من قاعة اتحاد المصارف إلا أن تكلفتها أكبر، كما أن قاعة المصارف لا تقل جودة ومستوى عن تلك القاعات لكنها أقل تكلفة، وهم مشكورون ايضاً عاملونا بطريقة محترمة ومميزة ودفعنا لهم أجرة القاعة 800 جنيه سوداني. ونحن راعينا أن نعقد مؤتمرنا في حدود امكاناتنا وطلبنا من فروعنا خارج العاصمة والبلاد أن تتحمل نفاقات ممثليهم وأن المركز لن يدفع أموالاً وبالتالي على الفرع أن يخلق الأصدقاء لدفع المبالغ البسيطة. نحن لن نحضر طعام المؤتمر الثالث من الهيلتون، ولكن لدينا قدرة فول سنطبخ عليها طعامنا، ليس لدينا مشكلة في أن نأكل في الصحون سوياً فليس هناك رئيسا أو مرؤوسا، حتى اللجنة اشارت لوجود امكانية لشراء السلطات هذه الأيام نظراً لانخفاض أسعار بعض مكوناتها، وقال ضاحكاً: "نرحب بكم وندعوكم لتحلوا ضيوفاً علينا خلال المؤتمر وتناول أي وجبة من الوجبات لتتأكدوا من هذا الامر".
وماذا عن التسجيل وتوفيق أوضاع الحزب؟
بمجرد انتهاء المؤتمر سنكمل اجراءات تسجيلنا، لكن التسجيل لا يعد هدفنا الأساسي، بل لأننا محتاجون للمؤتمر تنظيمياً وطنياً لظروف البلاد الحالية.
* نقلاً عن صحيفة (السوداني) العددين رقم (1244) و(1245) الصادرين يومي الخميس 30 ابريل 2009م والجمعة 1 مايو 2009م.