ابراهيم علي ابراهيم
* في 20 يوليو1971م بينما كان الأستاذ الراحل كمـال رمضـان المحامي يدخـل المكتبة الإنكليزية في شارع الجمهورية بالخرطوم, وجد نفسه وجها لوجه مع صديقه الأسـتاذ عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني فبادله التحايا وقال له بطريقته المعهوده لمن يعرفونه :” يا عبد الخالق تعملوا إنقلاب وحايمين بي هنا”؟ تبادلا الحديث ووعده عبد الخالق بأن يمر عليه مساءا في منزله بالقرب من مقابر فاروق .
* وبالفعل وصل عبد الخالق في الموعد المحدد وتبادلا الكثير من الآراء, وما عليه فعله لإنجاح الإنقلاب ومن بين ذلك الإهتمام بالإعلام ومخاطـبة الرأي العام العربي والعالمي وكان أوانها مركـز الإعـلام العربي في بيروت, وقررا أن يسـافر الأستاذ كمال رمضان إلي بيروت لكي يقود العملية الإعلامية التي تعكس ما يحدث في السودان من تغيير , ولكن تسارع الأحداث وإغلاق المطار, حال ذلك دون سفره.
* جاء هذا الحديث بشكل مفصل في سهرة دعاني لها حين زيارتي للقاهره العام 2016م وصادف ذلك يوم 19يوليو, وهو ذكري المحاولة الإنقلابية التي قادها الرائد هاشم العطا فطلب الأستاذ كمال من كل الحضور أن يحكي كل منهم ذكرياته عن ذلك اليوم, طلب منه الجميع أن يبدأ هو, فتطرق إلي تلك الواقعة .
* أعتقل الأستاذ كمال رمضان بعد عودة نميري في 22 يوليو 1971م, وأطلق سـراحه بعد فترة قصيرة, فهو ليس عضوا في الحزب الشيوعي,وإنما كان صديقا للحزب مثل كثيرين, وعلاقة الصداقة مع عبد الخالق محجوب هي التي وثقت علاقته بالحزب, ويقال إنه عادة ما يكون في مكتب كمال صباحا وفي المساء يسهران معا في منزله. وذكرأحد أصدقاءه إن الشهيد الرائد هاشم العطا ومحمد محجوب جاءا إلي منزله وحينما دعاهما للدخول, رفضا وطلبا منه أن يمنحمها “جلاليب” وأخذاها وذهبا.
* والطريف أنه عقب أطـلاق سـراحه كان يوما يقود سيارته في تقاطـع شارع القصر مع شارع الجمهورية, وللمصادفة كان جعفر نميري يقود سيارته بنفسه, وحينما شاهد كمال نادي عليه :”يا كمال إنت لسه حي“!! فغادر كمال رمضان في نفس اليوم إلي القاهرة فقد كان جعفر النميري في تلك الأيام في حالة من الغضب والهياج, ويقوم بإعتقال كل شيوعي وكل من يشتبه في إنتماءه للحزب الشيوعي .
* للأسـتاذ كمال تاريخ حـافل بالعطاء الوطني الخالص، رغم عدم إنتماءه الحـزبي وعدم رغبته في الظهور الإعلامي ويفضل العمل من خلف الكواليـس، فقد أقدم في وقـت مبكر من حياته مع صديقه الراحل المحامي أنور أدهم في الدفاع عن ما عرف “بإنقلاب كبيدة” عام 1958م. وأيضا تقول سيرته الذاتية لدي أصدقاءه المقربين إن منزله في بالعمارات شارع 47 كانت تدار منه إجتماعات تنظيم الضباط الأحرار الذي خطط لتنفيذ إنقلاب مايو 1969م عقب إعلان حل الحزب الشيوعي السوداني بقرار من الجمعية التأسيسية التي يقودها الحزبان: الأمة والإتحادي. وكمال أيضا أحد المؤسسين لتنظيم قوات التحالف السودانية التحالف السوداني, الذي يقوده العميد عبد العزيز خالد والذي بدأ في بداية حقبة التسعينات لمقاومة نظام الجبهة الإسلامية بقوة السلاح وأستطاع أن يسيطر علي مناطق شاسعة من شرق البلاد, وكان يستهدف إنهاك وإضعاف النظام, وكان الأستاذ كمال يعمل في الدائرة القانونية وحقوق الإنسان في التنظيم.
* وهو أيضا من مؤسسي المنظمة السـودانية لحقوق الإنسان, وعمل في مكتبها التنفيذي في القاهرة, الي جانب عمله في اتحاد المحامين العرب مع الاستاذ الراحل فاروق ابوعيسي طيب الله ثراه وأذكر إن الدكتور أمين مكي مدني أختارعددا من الشباب -أوانها- منهم الباقر موسي ووديع خوجلي وعبد الله عبد الوهاب وشخصي وعدد آخر لا أذكر الأسماء, وقاموا بالعمل التأسيسي للمنظمة, وحينما جاء المؤتمر العام الذي عقد بالقاهرة برعاية المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي يرأسها الأستاذ محمد فائق وزير الإعلام في عهد عبدالناصر, وبالطبع جاءت الأحزاب الي قاعة المؤتمر وسيطرت علي المقاعد الأمامية,وتم تهميش الشباب الذين أسسوا العمل, وحينما بدأت الترشيحات أخذوا يتناوبون في ترشيح بعضهم البعض, دون أي أعتبار لمن أسسوا هذا العمل, فتحدث الأستاذ كمال رمضان وهو يقول لهم: ”ما بتختشوا الشباب ديل مافي واحد منكم يرشح ولا واحد منهم,أنتو ماحتخلوا التكويش والتسلط معقوله ,الكلام ده ”! بالطبع لم يرد عليه أحد وواصلوا إختياراتهم علي أسس حزبية !!
* طالبت الأستاذ كمال أن يقوم بكتابة مذكراته,وعرضت عليه إستعدادي المساعدة في ذلك فوافقني, وقال لي إن أسرته جاءت له بمسجل لكنه تعطل, وحينما عـدت في عطـلتي للعام التالي 2018م أحضرت له مسجل وكل ملحقاته, وأتصلت به لأفاجأ بقوله إنه سـيغادر إلي الخرطوم بعد ساعات لأمر هام وعاجل, وكانت تلك هي الرحلة الأخيرة, وقد علمت فيما بعد إنه كان مريضا, وعرض عليه أبناءه السفر للولايات المتحدة للعلاج حيث يقيمون, لكنه رفض وفضل السفر للخرطوم.
* وبعد أسبوع من وصوله أسلم الروح إلي بارئها في 25 يوليو2017م. رحمه الله رحمة واسعة وجعل مثواه الفردوس الأعلي مع الصديقين والشهداء. للأستاذ كمال رمضان ثلاثة أبناء وهم :حسن وهشام وأحمد, جعل المولي البركة فيهم وفي ذريتهم.